الصحابي الذي احبه اهل السماء

الصحابي الذي أحبه أهل السماء
لقد خالط القرآن العظيم روح أسيد بن حضير وقلبه وأثر فيه جسما ونفسا وسلوكا وسمتا وفهما وعلما عاش مع آياته عيشة المحبين فكان أنيسه في ليله وسميره في نهاره وصاحبه في صلواته وخلواته عاش مع القرآن بصور متألقة وأحوال كريمة وأوقات مفيدة لهذا كان للقرآن أثر واضح في معالم حياة أسيد.
أولع أسيد بن الحضير بالقرآن منذ سمعه من مصعب بن عمير ۏلع المحب بحبيبه وأقبل عليه إقبال الظامئ على المورد العذب في اليوم القائظ وجعله شغله الشاغل فكان لا يرى إلا مجاهدا غازيا في سبيل الله أو عاكفا يتلو كتاب الله.
كان رضي الله عنه رخيم الصوت مبين النطق مشرق الأداء تطيب له قراءة القرآن أكثر ما تطيب إذا سكن الليل ونامت العيون وصفت النفوس وكان الصحابة يتحينون أوقات قراءته ويتسابقون إلى سماع تلاوته.
وقد استعذب أهل السماء تلاوته كما استعذبها أهل الأرض ففي جوف ليلة من الليالي كان أسيد بن الحضير جالسا في مربده وابنه يحيى نائم إلى جانبه وفرسه التي أعدها للجهاد في سبيل الله مرتبطة غير بعيد عنه وكان الليل وادعا ساكنا وأديم السماء رائقا صافيا وعيون النجوم ترمق الأرض الهاجعة بحنان وعطف فتاقت نفس أسيد لأن يعطر هذه الأجواء الندية بطيوب القرآن فانطلق يتلو بصوته الرخيم الحنون.
الم 1 ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين 2 الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون 3 والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون سورة البقرة من 1 إلى 4.
فإذا به يسمع فرسه وقد جالت جولة كادت تقطع بسببها رباطها فسكت فسكنت الفرس وقرت فعاد يقرأ أولئك على هدى من ربهم ۖ وأولئك هم المفلحون فجالت الفرس جولة أشد من تلك وأقوى فسكت فسكنت وكرر ذلك مرارا فكان إذا قرأ أجفلت الفرس وهاجت وإذا سكت سكنت وقرت.
فخاف على ابنه يحيى أن تطأه فمضى إليه ليوقظه وهنا حانت منه التفاتة إلى السماء فرأى عمامة كالمظلة لم تر العين أروع ولا أبهى منها